الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ حَدَّثَنِي جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَيْسَ عِنْدِي إِلَّا مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ وَلَا يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لَا يُفْحِشَ عَلَيَّ الْغُرَمَاءُ فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا ثَمَّ آخَرَ ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ انْزِعُوهُ فَأَوْفَاهُمْ الَّذِي لَهُمْ وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ الشرح: حديث جابر في قصة وفاء دين أبيه، أورده مختصرا وقد ذكره في مواضع أخرى مطولا. قوله: (حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة، وعامر هو الشعبي. قوله: (أن أباه) هو عبد الله بن عمرو بن حرام بالمهملتين. وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع " توفي عبد الله بن عمرو بن حرام وعليه دين " وفي رواية فراس عن الشعبي في الوصايا " أن أباه استشهد يوم أحد وترك ست بنات وترك عليه دينا " وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر " أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود، فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له، فكلم اليهودي ليأخذ ثمر نخله بالذي له فأبى " وفي رواية ابن كعب بن مالك في الاستقراض والهبة عن جابر " أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته، فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا " ووقع عند أحمد من طريق نبيح العنزي عن جابر قال: " قال لي أبي: يا جابر لا عليك أن يكون في قطاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا - فذكر قصة قتل أبيه ودفنه قال - وترك أبي عليه دينا من التمر، فاشتد علي بعض غرمائه في التقاضي، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له وقلت: فأحب أن تعينني عليه لعله أن ينظرني طائفة من تمره إلى هذا الصرام المقبل، قال: نعم آتيك إن شاء الله قريبا من نصف النهار " فذكر الحديث في الضيافة وفيه " ثم قال: ادع فلانا - لغريمي الذي اشتد في الطلب - فجاء فقال: أنظر جابرا طائفة من دينك الذي على أبيه إلى الصرام المقبل، فقال: ما أنا بفاعل، واعتل. وقال إنما هو مال يتامى". قوله: (وليس عندي إلا ما يخرج نخله) يعني أنه لم يترك مالا إلا البستان المذكور. قوله: (ولا يبلغ ما يخرج نخله سنين) أي في مدة سنين (ما عليه) أي من الدين. قوله: (فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء فمشى) فيه حذف تقديره: فقال نعم، فانطلق فوصل إلى الحائط فمشى. وقد تبين من الروايات الأخرى التصريح بما وقع من ذلك، ففي رواية مغيرة " فقال اذهب فصنف تمرك أصنافا، ثم أرسل إلي، ففعلت، فجاء فجلس على أعلاه " وفي رواية فراس في البيوع " اذهب فصنف تمرك أصنافا: العجوة على حدة، وعذق زيد على حدة " وقوله: عذق زيد بفتح المهملة، وزيد الذي نسب إليه اسم لشخص كأنه هو الذي كان ابتدأ غراسه فنسب إليه، والعجوة من أجود تمر المدينة. قوله: (بيدر) بفتح الموحدة وكسر المهملة وهو فعل أمر، أي اجعل التمر في البيادر كل صنف في بيدر، والبيدر بفتح الموحدة وسكون التحتانية وفتح الدال المهملة للتمر كالجرن للحب. قوله: (فدعا) في رواية ابن كعب بن مالك " فغدا علينا فطاف في النخل ودعا في تمره بالبركة " وفي رواية الديال بن حرملة عن جابر " فجاء هو وأبو بكر وعمر فاستقرأ النخل، يقوم تحت كل نخلة لا أدري ما يقول، حتى مر على آخرها " الحديث أخرجه أحمد. قوله: (ثم آخر) أي مشى حول بيدر آخر فدعا. وفي رواية فراس " فدخل النبي صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها فقال أفرغوه " أي أفرغوه من البيدر. وفي رواية مغيرة " ثم قال: كل للقوم، فكلتهم حتى أوفيتهم " وفي رواية فراس " ثم قال لجابر: جد فأوف الذي له، فجده بعدما رجع النبي صلى الله عليه وسلم". قوله: (فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم) في رواية مغيرة " وبقي تمري وكأنه لم ينقص منه شيء " وفي رواية ابن كعب " وبقي لنا من تمرها بقية " ووقع في رواية وهب بن كيسان " فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت له سبعة عشر وسقا"، ويجمع بالحمل على تعدد الغرماء، فكان أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقا من صنف واحد فأوفاه وفضل من ذلك البيدر سبعة عشر وسقا، وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه، ويؤيده قوله في رواية نبيح العنزي عن جابر " فكلت له من العجوة فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا، وكلت له من أصناف التمر فأوفاه الله وفضل لنا من التمر كذا وكذا " ووقع في رواية فراس عن الشعبي ما قد يخالف ذلك، فعنه " ثم دعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظروا إليه كأنما أغروا بي تلك الساعة " أي أنهم شددوا عليه في المطالبة لعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم قال: " فلما رأى ما يصنعون طاف حول أعظمها بيدرا ثلاث مرات ثم جلس عليه ثم قال: ادعهم، فما زال يكيل لهم حتى أدى الله أمانة والدي، وأنا راض أن يؤديها الله ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة، فسلم الله البيادر كلها حتى أني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص منه تمرة واحدة " ووجه المخالفة فيه أن ظاهره أن الكيل جميعه كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن التمر لم ينقص منه شيء البتة، والذي مضى ظاهره أن ذلك بعد رجوعه وأن بعض التمر نقص، ويجمع بأن ابتداء الكيل كان بحضرته صلى الله عليه وسلم وبقيته كان بعد انصرافه، وكان بعض البيادر التي أوفى منها بعض أصحاب الدين حيث كان بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينقص منه شيء البتة، ولما انصرف بقيت آثار بركته فلذلك أوفى من أحد البيادر ثلاثين وسقا وفضل سبعة عشر. وفي رواية نبيح ما يؤيد ذلك، ففي روايته قال: " كل له فإن الله سوف يوفيه " وفي حديثه " فإذا الشمس قد دلكت فقال: الصلاة يا أبا بكر، فاندفعوا إلى المسجد فقلت له - أي للغريم - قرب أوعيتك " وفيه " فجئت أسعى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كأني شرارة، فوجدته قد صلى، فأخبرته فقال: أين عمر؟ فجاء يهرول. فقال: سل جابرا عن تمره وغريمه، فقال: ما أنا بسائله، قد علمت أن الله سيوفيه " الحديث. وقصة عمر قد وقعت في رواية ابن كعب ففيها " ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: اسمع يا عمر، قال: ألا نكون قد علمنا أنك رسول الله؟ والله إنك لرسول الله " وفي رواية وهب " فقال عمر: لقد علمت حين مشى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليباركن الله فيها " وقوله في رواية ابن كعب " ألا نكون " بفتح الهمزة وتشديد اللام في الروايات كلها، وأصلها أن الخفيفة ضمت إليها لا النافية، أي هذا السؤال إنما يحتاج إليه من لا يعلم أنك رسول الله فلذلك يشك في الخبر فيحتاج إلى الاستدلال، وأما من علم أن رسول الله فلا يحتاج إلى ذلك. وزعم بعض المتأخرين أن الرواية فيه بتخفيف اللام وأن الهمزة فيه للاستفهام التقريري فأنكر عمر عدم علمه بالرسالة فأنتج إنكاره ثبوت علمه بها، وهو كلام موجه، إلا أن الرواية إنما هي بالتشديد، وكذلك ضبطها عياض وغيره، وقيل: النكتة في اختصاص عمر بأعلامه بذلك أنه كان معتنيا بقصة جابر مهتما بشأنه مساعدا له على وفاء دين أبيه. وقيل لأنه كان حاضرا مع النبي صلى الله عليه وسلم لما مشى في النخل وتحقق أن التمر الذي فيه لا يفي ببعض الدين، فأراد إعلامه بذلك لكونه شاهد أول الأمر، بخلاف من لم يشاهد. ثم وجدت ذلك صريحا في بعض طرقه، ففي رواية أبي المتوكل عن جابر عند أبي نعيم فذكر الحديث وفيه " فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر فقال: انطلق بنا حتى نطوف بنخلك هذا " فذكر الحديث. وفي رواية أبي نضرة عن جابر عنده في هذه القصة قال: " فأتاه هو وعمر فقال: يا فلان خذ من جابر وأخر عنه، فأبى، فكاد عمر يبطش به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مه يا عمر، هو حقه. ثم قال: اذهب بنا إلى نخلك " الحديث وفيه " فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ائتني بعمر، فأتيته فقال: يا عمر سل جابرا عن نخله " فذكر القصة. ووقع في رواية الديال بن حرملة أن أبا بكر وعمر جميعا كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال في آخره " قال فانطلق فأخبر أبا بكر وعمر، قال فانطلقت فأخبرتهما " الحديث، ونحوه في رواية وهب بن كيسان عن جابر، وجمع البيهقي بين مختلف الروايات في ذلك بأن اليهودي المذكور كان له دين من تمر، ولغيره من الغرماء ديون أخرى، فلما حضر الغرماء وطالبوا بحقوقهم وكال لهم جابر التمر ففضل تمر الحائط كأنه لم ينقص شيء فجاء اليهود بعدهم فطالب بدينه فجد له جابر ما بقي على النخلات فأوفاه حقه منه وهو ثلاثون وسقا، وفضلت منه سبعة عشر، انتهى. وهذا الجمع يقتضي أنه لم يفضل من الذي في البيادر شيء وقد صرح في الرواية المتقدمة أنها فضلت كلها كأنه لم ينقص منها شيء، فما تقدم من الطريق التي جمعت به أولى، والله أعلم. وفي الحديث من الفوائد جواز الاستنظار في الدين الحال، وجواز تأخير الغريم لمصلحة المال الذي يوفى منه، وفيه مشى الإمام في حوائج رعيته، وشفاعته عند بعضهم في بعض. وفيه علم ظاهر من أعلام النبوة لتكثير القليل إلى أن حصل به وفاء الكثير وفضل منه. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشَرَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ ثَلَاثَةً قَالَ فَهُوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي وَلَا أَدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ أَوْ ضَيْفِكَ قَالَ أَوَعَشَّيْتِهِمْ قَالَتْ أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ فَقَالَ يَا غُنْثَرُ فَجَدَّعَ وَسَبَّ وَقَالَ كُلُوا وَقَالَ لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا قَالَ وَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ اللُّقْمَةِ إِلَّا رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَيْءٌ أَوْ أَكْثَرُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ قَالَتْ لَا وَقُرَّةِ عَيْنِي لَهِيَ الْآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَعْنِي يَمِينَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَمَضَى الْأَجَلُ فَتَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ قَالَ أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ أَوْ كَمَا قَالَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ فَعَرَفْنَا مِنْ الْعِرَافَةِ الشرح: حديث عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق في قصة أضياف أبي بكر، والمراد منه تكثير الطعام القليل. قوله: (عن أبيه) هو سليمان بن طرخان التيمي أحد صغار التابعين. وفي رواية أبي النعمان عن معتمر " حدثنا أبي " كما تقدم في الصلاة. وأبو عثمان هو النهدي. قوله: (أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء) سيأتي ذكرهم في كتاب الرقاق، وأن الصفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعد لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل، وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر، وقد سرد أسماءهم أبو نعيم في " الحلية " فزادوا على المائة. قوله: (من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) أي من أهل الصفة المذكورين. ووقع في رواية مسلم " فليذهب بثلاثة " قال عياض: وهو غلط، والصواب رواية البخاري لموافقتها لسياق باقي الحديث. وقال القرطبي: إن حمل على ظاهره فسد المعنى، لأن الذي عنده طعام اثنين إذا ذهب معه بثلاثة لزم أن يأكله في خمسة وحينئذ لا يكفيهم ولا يسد رمقهم، بخلاف ما إذا ذهب بواحد فإنه يأكله في ثلاثة، ويؤيده قوله في الحديث الآخر " طعام الاثنين يكفي أربعة " أي القدر الذي يشبع الاثنين يسد رمق أربعة، ووجهها النووي بأن التقدير فليذهب بمن يتم من عنده ثلاثة، أو فليذهب بتمام ثلاثة. قوله: (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس أو كما قال) أي فليذهب بخامس إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك، وإلا فليذهب بسادس مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك. والحكمة في كونه يزيد كل أحد واحدا فقط أن عيشهم في ذلك الوقت لم يكن متسعا، فمن كان عنده مثلا ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة وما فوقها، بخلاف ما لو زيدت الأضياف بعدد العيال فإنما ذلك يحصل الاكتفاء فيه عند اتساع الحال. ووقع في رواية أبي النعمان " وإن أربع فخامس أو سادس " و " أو " فيه للتنويع أو للتخيير كما في الرواية الأخرى، ويحتمل أن يكون معنى " أو سادس " وإن كان عنده طعام خمس فليذهب بسادس، فيكون من عطف الجملة على الجملة. وقوله: (وإن أربع فخامس) بالجر فيهما، والتقدير فإن كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو بسادس، فحذف عامل الجر وأبقى عمله، كما يقال مررت برجل صالح وإن لا صالح فطالح، أي إن لا أمر بصالح فقد مررت بطالح، ويجوز الرفع على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه وهو أوجه، قال ابن مالك: تضمن هذا الحديث حذف فعلين وعاملي جر مع بقاء عملهما بعد إن وبعد الفاء، والتقدير من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو سادس ا هـ. وهذا قاله في الرواية التي في الصلاة، وأما هذه الرواية وهي قوله: " بخامس بسادس " فيكون حذف منها شيء آخر والتقدير أو إن قام بخمسة فليذهب بسادس قوله: (وإن أبا بكر جاء بثلاثة وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة) عبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد منزله من المسجد، وعن النبي صلى الله عليه وسلم بالانطلاق لقربه. وقوله بعد ذلك " وأبو بكر ثلاثة " بالنصب للأكثر أي أخذ ثلاثة فلا يكون قوله قبل ذلك " جاء بثلاثة " تكرارا لأن هذا بيان لابتداء ما جاء في نصيبه، والأول لبيان من أحضرهم إلى منزله. وأبعد من قال ثلاثة بالرفع وقدره وأبو بكر أهله ثلاثة أي عدد أضيافه، ودل ذلك على أن أبا بكر كان عنده طعام أربعة ومع ذلك فأخذ خامسا وسادسا وسابعا فكأن الحكمة في أخذه واحدا زائدا عما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يؤثر السابع بنصيبه إذ ظهر له أنه لم يأكل أولا معهم. ووقع في رواية الكشميهني " وأبو بكر بثلاثة، فيكون معطوفا على قوله " وانطلق النبي " أي وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم، والأول أوجه، والله أعلم. قوله: (قال فهو أنا وأبي وأمي) القائل هو عبد الرحمن بن أبي بكر، قوله: " فهو " أي الشأن، وقوله: (أنا) مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه السياق وتقديره في الدار. قوله: (ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي) في رواية الكشميهني " وخادم " بغير إضافة، والقائل " هل قال " هو أبو عثمان الراوي عن عبد الرحمن كأنه شك في ذلك، وقوله: (بين بيتنا) أي خدمتها مشتركة بين بيتنا وبيت أبي بكر، وهو ظرف للخادم، وأم عبد الرحمن هي أم رومان مشهورة بكنيتها، واسمها زينب وقيل: وعلة بنت عامر بن عويمر وقيل عميرة، من ذرية الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة، كانت قبل أبي بكر عند الحارث بن سخبرة الأزدي فقدم مكة فمات وخلف منها ابنه الطفيل، فتزوجها أبو بكر فولدت له عبد الرحمن وعائشة، وأسلمت أم رومان قديما وهاجرت ومعها عائشة، أما عبد الرحمن فتأخر إسلامه وهجرته إلى هدنة الحديبية، فقدم في سنة سبع أو أول سنة ثمان، واسم امرأته - والدة أكبر أولاده أبي عتيق محمد - أميمة بنت عدي بن قيس السهمية والخادم لم أعرف اسمها. قوله: (وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء ثم رجع) ووقع في الرواية التي في الصلاة " ثم لبث حتى صليت العشاء " وفي رواية " حيث صليت ثم رجع " فشرحه الكرماني فقال: هذا يشعر بأن تعشي أبي بكر كان بعد الرجوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والذي تقدم بعكسه، والجواب أن الأول بيان حال أبي بكر في عدم احتياجه إلى الطعام عند أهله، والثاني فيه سياق القصة على الترتيب الواقع: الأول تعشي الصديق والثاني تعشي النبي صلى الله عليه وسلم. والأول من العشاء بفتحها أي الأكل، والثاني بكسرها أي الصلاة. فأحد هذه الاحتمالات أن أبا بكر لما جاء بالثلاثة إلى منزله لبث إلى وقت صلاة العشاء فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تعشى عنده، وهذا لا يصح لأنه يخالف صريح قوله في حديث الباب " وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم " ثم إن الذي وقع عند البخاري بلفظ " ثم رجع " بالجيم ليس متفقا عليه من الرواة لما سأذكره، وظاهر قوله في هذه الرواية " ثم رجع " أي إلى منزله، وعلى هذا ففي قوله: " فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله " تكرار وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي صلى الله عليه وسلم كان بمقدار أن تعشى معه وصلى العشاء وما رجع إلى منزله إلا بعد أن مضى من الليل قطعة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء كما تقدم في حديث أبي برزة، ووقع عند الإسماعيلي " ثم رجع " بالكاف أي صلى النافلة بعد العشاء، فعلى هذا فالتكرار في قوله: " فلبث حتى تعشى " فقط، وفائدته ما تقدم. ووقع في رواية مسلم والإسماعيلي أيضا " فلبث حتى نعس، بعين وسين مهملتين مفتوحتين من النعاس وهو أوجه. وقال عياض إنه الصواب، وبه ينتفي التكرار من المواضع كلها إلا في قوله: " لبث " وسببه اختلاف تعلق اللبث فالأول قال: " لبث حتى صلى العشاء " ثم قال: " فلبث حتى نعس " والحاصل أنه تأخر عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى صلى العشاء ثم تأخر حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته، وقد ترجم عليه المصنف في أبواب الصلاة قبيل الأذان " باب السمر مع الضيف والأهل " وأخذه من كون أبي بكر رجع إلى أهله وضيفانه بعد أن صلى العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فدار بينهم وبينه ما ذكر في الحديث. ووقع في رواية أبي داود من رواية الجريري عن أبي عثمان أو أبي السليل عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: " نزل بنا أضياف، وكان أبو بكر يتحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لا أرجع إليك حتى تفرغ من ضيافة هؤلاء " ونحوه يأتي في الأدب من طريق أخرى عن الجريري عن أبي عثمان بلفظ " أن أبا بكر تضيف رهطا، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافك، فإني منطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأفرغ من قراهم قبل أن أجيء " وهذا يدل على أن أبا بكر أحضرهم إلى منزله وأمر أهله أن يضيفوهم ورجع هو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه صريح قوله في حديث الباب " وإن أبا بكر جاء بثلاثة". قوله: (قالت له امرأته ما حبسك من أضيافك) ؟ في رواية الكشميهني " عن أضيافك " وكذا هو في الصلاة ورواية مسلم. قوله: (أو ضيفك) شك من الراوي، والمراد به الجنس لأنهم ثلاثة، واسم الضيف يطلق على الواحد وما فوقه. وقال الكرماني: أو هـو مصدر يتناول المثنى والجمع، كذا قال وليس بواضح. قوله: (أو عشيتهم) في رواية الكشميهني " أو ما عشيتهم " بزيادة ما النافية، وكذا في رواية مسلم والإسماعيلي، والهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة، وفي بعضها عشيتهم بإشباع الكسرة. قوله: (قد عرضوا عليهم) بفتح العين والراء والفاعل محذوف أي الخدم أو الأهل أو نحو ذلك، (فغلبوهم) أي أن آل أبي بكر عرضوا على الأضياف العشاء فأبوا فعالجوهم فامتنعوا حتى غلبوهم. وفي الرواية التي في الصلاة " قد عرضوا " بضم أوله وتشديد الراء أي أطعموا من العراضة وهي الهدية، قاله عياض، قال وهو في الرواية بتخفيف الراء، وحكى ابن قرقول أن القياس بتشديد الراء وبه جزم الجوهري. وقال الكرمان موجها للتخفيف: أي عرض الطعام عليهم، فحذف الجار ووصل الفعل فهو من القلب كعرضت الناقة على الحوض. ووقع في الصلاة " قد عرضنا عليهم فامتنعوا " وحكى ابن التين أنه وقع في بعض الروايات عرصوا بصاد مهملة، قال ولا أعرف لها وجها ووجهها غيره أنها من قولهم عرص إذا نشط، فكأنه يريد أنهم نشطوا في العزيمة عليهم، ولا يخفى تكلفه. وفي رواية الجريري " فانطلق عبد الرحمن فأتاهم بما عنده فقال: اطعموا، قالوا: أين رب منزلنا؟ قال: اطعموا. قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء. قال: اقبلوا عنا قراكم، فإنه إن جاء ولم تطعموا لنلقين منه - أي شرا - فأبوا " وفي رواية مسلم " ألا تقبلوا عنا قراكم؟ " ضبطه عياض عن الأكثر بتخفيف اللام على استفتاح الكلام، قال القرطبي: ويلزم عليه أن تثبت النون في " تقبلون " إذ لا موجب لحذفها، وضبطها ابن أبي جعفر بتشديد اللام وهو الوجه. قوله: (قال فذهبت فاختبأت) أي خوفا من خصام أبي بكر له وتغيظه عليه. وفي رواية الجريري " فعرفت أنه يجد علي " أي يغضب " فلما جاء تغيبت عنه، فقال: يا عبد الرحمن، فسكت. ثم قال: يا عبد الرحمن، فسكت". قوله: (فقال يا غنثر فجدع وسب) في رواية الجريري فقال: يا غنثر أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئت، قال فخرجت فقلت والله ما لي ذنب، هؤلاء أضيافك فسلهم. قالوا صدقك قد أتانا. وقوله: (فجدع وسب) أي دعا عليه بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة، وقيل: المراد به السب، والأول أصح. وفي رواية الجريري " فجزع " بالزاي بدل الدال أي نسبه إلى الجزع بفتحتين وهو الخوف، وقيل: المجازعة المخاصمة فالمعنى خاصم، قال القرطبي: ظن أبو بكر أن عبد الرحمن فرط في حق الأضياف، فلما تبين له الحال أدبهم بقوله كلوا لا هنيئا، وسب أي شتم. وحذف المفعول للعلم به. قوله: " غنثر " بضم المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة، هذه الرواية المشهورة، وحكي ضم المثلثة، وحكى عياض عن بعض شيوخه فتح أوله مع فتح المثلثة، وحكاه الخطابي بلفظ " عنتر " بلفظ اسم الشاعر المشهور وهو المهملة والمثناة المفتوحتين بينهما النون الساكنة، وروى عن أبي عمر عن ثعلب أن معناه الذباب، وأنه سمي بذلك لصوته فشبهه به حيث أراد تحقيره وتصغيره. وقال غيره: معنى الرواية المشهورة الثقيل الوخم وقيل: الجاهل وقيل: السفيه وقيل اللئيم، وهو مأخوذ من الغثر ونونه زائدة، وقيل: هو ذباب أزرق شبهه به لتحقيره كما تقدم. قوله: (وقال كلوا) زاد في الصلاة " لا هنيئا " وكذا في رواية مسلم أي لا أكلتم هنيئا وهو دعاء عليهم، وقيل خبر أي لم تتهنئوا في أول نضجه، ويستفاد من ذلك جواز الدعاء على من لم يحصل منه الإنصاف ولا سيما عند الحرج والتغيظ، وذلك أنهم تحكموا على رب المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك، وكأن الذي حملهم على ذلك رغبتهم في التبرك بمؤاكلته، ويقال إنه إنما خاطب بذلك أهله لا الأضياف، وقيل: لم يرد الدعاء وإنما أخبر أنهم فاتهم الهناء به إذا لم يأكلوه في وقته. قوله: (وقال لا أطعمه أبدا) في رواية مسلم وكذا هو في الصلاة " فقال: والله لا أطعمه أبدا " وفي رواية الجريري " فقال فإنما انتظرتموني، والله لا أطعمه أبدا، فقال الآخر والله لا نطعمه " وفي رواية أبي داود من هذا الوجه " فقال أبو بكر فما منعكم؟ قالوا: مكانك. قال والله لا أطعمه أبدا. ثم اتفقا فقال: لم أر في الشر كالليلة، ويلكم ما أنتم؟ لم تقبلون عنا قراكم. هات طعامك، فوضع فقال: بسم الله الأول من الشيطان فأكل وأكلوا " قال ابن التين: لم يخاطب أبو بكر أضيافه بذلك إنما خاطب أهله، والرواية التي ذكرتها ترد عليه. ووقع في رواية مسلم " ألا تقبلون " وهو بتشديد اللام للأكثر، ولبعضهم بتخفيفها. قوله: (وايم الله) همزته همزة وصل عند الجمهور وقيل: يجوز القطع، وهو مبتدأ وخبره محذوف أي أيم الله قسمي، وأصله أيمن الله فالهمزة حينئذ همزة قطع لكنها لكثرة الاستعمال خففت فوصلت، وحكي فيها لغات: أيمن الله مثلثة النون، ومن الله مختصرة من الأولى مثلثة النون أيضا، وأيم الله كذلك، وم الله كذلك، بكسر الهمزة أيضا، وأم الله. قال ابن مالك: وليس الميم بدلا من الواو ولا أصلها من خلافا لمن زعم ذلك. ولا أيمن، جمع يمين خلافا للكوفيين، وسيأتي تمام هذا في كتاب الأيمان والنذور. قوله: (ألا ربا) أي زاد، وقوله: (من أسفلها) أي الموضع الذي أخذت منه. قوله: (فنظر أبو بكر فإذا شيء أو أكثر) والتقدير فإذا هي شيء أي قدر الذي كان، كذا عند والمصنف هنا، ووقع في الصلاة " فإذا هي - أي الجفنة - كما هي " أي كما كانت أولا أو أكثر، وكذلك في رواية مسلم والإسماعيلي وهو الصواب. قوله: (يا أخت بني فراس) زاد في الصلاة " ما هذا " وخاطب أبو بكر بذلك امرأته أم رومان، وبنو فراس بكسر الفاء وتخفيف الراء وآخره مهملة ابن غنم بن مالك بن كنانة. وقال النووي: التقدير ما من هي من بني فراس وفيه نظر، والعرب تطلق على من كان منتسبا إلى قبيلة أنه أخوهم كما تقدم في العلم " ضمام أخو بني سعد بن بكر " وقد تقدم أن أم رومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعل أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث ويقع في النسب كثير من ذلك، وينسبون أحيانا إلى أخي جدهم، أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أن الحارث أخو فراس فأولاد كل منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم، وحكى عياض أنه قيل في أم رومان إنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل، ولم أر في كتاب ابن سعد لها نسبا إلا إلى بني الحارث بن غنم ساق لها نسبين مختلفين، فالله أعلم. قوله: (قالت لا وقرة عيني) قرة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان ويوافقه، يقال ذلك لأن عينه قرت أي سكنت حركتها من التلفت لحصول غرضها فلا تستشرف لشيء آخر، فكأنه مأخوذ من القرار، وقيل: معناه أنام الله عينك وهو يرجع إلى هذا، وقيل: بل هو مأخوذ من القر وهو البرد أي أن عينه باردة لسروره، ولهذا قيل دمعة الحزن حارة، ومن ثم قيل في ضده أسخن الله عينه، وإنما حلفت أم رومان بذلك لما وقع عندها من السرور بالكرامة التي حصلت لهم ببركة الصديق رضي الله عنه. وزعم الداودي أنها أرادت بقرة عينها النبي صلى الله عليه وسلم فأقسمت به، وفيه بعد. و " لا " في قولها: " لا وقرة عيني " زائدة أو نافية على حذف، تقديره لا شيء غير ما أقول. قوله: (لهي) أي الجفنة أو البقية (أكثر مما قبل) كذا هنا. وفي رواية مسلم " أكثر منها قبل " وهو أوجه، و (أكثر) للأكثر بالمثلثة ولبعضهم بالموحدة. قوله: (فأكل منها أبو بكر وقال إنما كان الشيطان يعني يمينه) كذا هنا وفيه حذف تقدمها تقديره: وإنما كان الشيطان الحامل على ذلك، يعني الحامل على يمينه التي حلفها في قوله: " والله لا أطعمه " ووقع عند مسلم والإسماعيلي " وإنما كان ذلك من الشيطان " يعني يمينه وهو أوجه. وأبعد من قال: الضمير في قوله: " هذه اللقمة " للتي أكل أي هذه اللقمة لقمع الشيطان وإرغامه. لأنه قصد بتزيينه له اليمين إيقاع الوحشة بينه وبين أضيافه، فأخزاه أبو بكر بالحنث الذي هو خير، وظاهر هذا السياق مخالف لرواية الجريري، فقال عياض: في هذا السياق خطأ وتقديم وتأخير، ثم ذكر ما حاصله أن الصواب ما في رواية الجريري، وهو أن رواية سليمان التيمي هذه تقتضي أن سبب أكل أبي بكر من الطعام ما رآه من البركة فيه فرغب في الأكل منه وأعرض عن يمينه التي حلف لما رجح عنده من التناول من البركة، ورواية الجريري تقتضي أن سبب أكله من الطعام لجاج الأضياف وحلفهم بأنهم لا يطعمون من الطعام حتى يأكل أبو بكر، ولا شك في كونها أوجه، لكن يمكن رد رواية سليمان التيمي إليها بأن يكون قوله: " فأكل منها أبو بكر " معطوفا على قوله: " والله لا أطعمه " لا على القصة التي دلت على بركة الطعام، وغايته أن حلف الأضياف أن لا يطعموه لم يقع في رواية سليمان والله أعلم. ثم ظهر لي أن ذلك من معتمر بن سليمان لا من أبيه، فقد وقع في الأدب عند المصنف من رواية ابن أبي عدي عن سليمان التيمي " فحلفت المرأة لا تطعمه حتى تطعموه، فقال أبو بكر كأن هذه من الشيطان، فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون اللقمة إلا ربا من أسفلها " ويحتمل أن يجمع بأن يكون أبو بكر أكل لأجل تحليل يمينهم شيئا، ثم لما رأى البركة الظاهرة عاد فأكل منها لتحصل له وقال كالمعتذر عن يمينه التي حلف " إنما كان ذلك من الشيطان " والحاصل أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج، فعاد مسرورا، وانفك الشيطان مدحورا. واستعمل الصديق مكارم الأخلاق فحنث نفسه زيادة في إكرام ضيفانه ليحصل مقصوده من أكلهم. ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة. ووقع في رواية الجريري عند مسلم " فقال أبو بكر: يا رسول الله بروا وحنثت، فقال: بل أنت أبرهم وخيرهم. قال: ولم يبلغني كفارة " وسقط ذلك من رواية الجريري عند المصنف، وكأن سبب حذفه لهذه الزيادة أن فيها إدراجا بينته رواية أبي داود حيث جاء فيها " فأخبرت - بضم الهمزة - أنه أصبح فغدا على النبي صلى الله عليه وسلم إلخ " وقوله: (أبرهم) أي أكثرهم برا أي طاعة، وقوله: (وخيرهم) أي لأنك حنثت في يمينك حنثا مندوبا إليه مطلوبا فأنت أفضل منهم بهذا الاعتبار، وقوله: (ولم يبلغني كفارة) استدل به على أنه لا تجب الكفارة في يمين اللجاج والغضب، ولا حجة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوجود، فلمن أثبت الكفارة أن يتمسك بعموم قوله: وقال النووي: قوله: " ولم تبلغني كفارة " يعني أنه لم يكفر قبل الحنث، فأما وجوب الكفارة فلا خلاف فيه، كذا قال. وقال غيره: يحتمل أن يكون أبو بكر لما حلف أن لا يطعمه أضمر وقتا معينا أو صفة مخصوصة، أي لا أطعمه معكم أو عند الغضب، وهو مبني على أن اليمين هل تقبل التقييد في النفس أم لا؟ ولا يخفى ما فيه من التكلف. وقول أبي بكر " والله لا أطعمه أبدا " يمين مؤكدة ولا تحتمل أن تكون من لغو الكلام ولا من سبق اللسان. قوله: (ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده) أي الجفنة على حالها، وإنما لم يأكلوا منها في الليل لكون ذلك وقع بعد أن مضى من الليل مدة طويلة. قوله: (ففرقنا اثنا عشر رجلا من كل رجل منهم أناس) كذا هو هنا من التفريق أي جعلهم اثنتي عشرة فرقة، وحكى الكرماني أن في بعض الروايات " فقرينا " بقاف وتحتانية من القرى وهو الضيافة، ولم أقف على ذلك. قوله: (اثنا عشر رجلا) كذا للمصنف، وعند مسلم اثني عشر بالنصب وهو ظاهر، والأول على طريق من يجعل المثنى بالرفع في الأحوال الثلاثة ومنه قوله تعالى: قوله: (الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم) يعني أنه تحقق أنه جعل عليهم اثنا عشر عريفا لكنه لا يدري كم كان تحت يد كل عريف منهم لأن ذلك يحتمل الكثرة والقلة، غير أنه يتحقق أنه بعث معهم - أي مع كل ناس - عريفا. قوله: (قال أكلوا منها أجمعون أو كما قال) هو شك من أبي عثمان في لفظ عبد الرحمن، وأما المعنى فالحاصل أن جميع الجيش أكلوا من تلك الجفنة التي أرسل بها أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وظهر بذلك أن تمام البركة في الطعام المذكور كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم لأن الذي وقع فيها بيت أبي بكر ظهور أوائل البركة فيها، وأما انتهاؤها إلى أن تكفي الجيش كلهم فما كان إلا بعد أن صارت عند النبي صلى الله عليه وسلم على ظاهر الخبر، والله أعلم. وقد روى أحمد والترمذي والنسائي من حديث سمرة قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة فيها ثريد فأكل وأكل القوم، فما زالوا يتداولونها إلى قريب من الظهر يأكل قوم ثم يقومون ويجيء قوم فيتعاقبونه، فقال رجل: هل كانت تمد بطعام؟ قال: أما من الأرض فلا إلا أن تكون كانت تمد من السماء". قال بعض شيوخنا يحتمل أن تكون هذه القصعة هي التي وقع فيها في بيت أبي بكر ما وقع، والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم التجاء الفقراء إلى المساجد عند الاحتياج إلى المواساة إذا لم يكن في ذلك إلحاح ولا إلحاف ولا تشويش على المصلين، وفيه استحباب مواساتهم عند اجتماع هذه الشروط، وفيه التوظيف في المخمصة، وفيه جواز الغيبة عن الأهل والولد والضيف إذا أعدت لهم الكفاية، وفيه تصرف المرأة فيما تقدم للضيف والإطعام بغير إذن خاص من الرجل، وفيه جواز سب الوالد للولد على وجه التأديب والتمرين على أعمال الخير وتعاطيه، وفيه جواز الحلف على ترك المباح، وفيه توكيد الرجل الصادق لخبره بالقسم، وجواز الحنث بعد عقد اليمين، وفيه التبرك بطعام الأولياء والصلحاء، وفيه عرض الطعام الذي تظهر فيه البركة على الكبار وقبولهم ذلك، وفيه العمل بالظن الغالب لأن أبا بكر ظن أن عبد الرحمن فرط في أمر الأضياف فبادر إلى سبه وقوى القرينة عنده اختباؤه منه، وفيه ما يقع من لطف الله تعالى بأوليائه وذلك أن خاطر أبي بكر تشوش وكذلك ولده وأهله وأضيافه بسبب امتناعهم من الأكل، وتكدر خاطر أبي بكر من ذلك حتى احتاج إلى ما تقدم ذكره من الحرج بالحلف وبالحنث وبغير ذلك، فتدارك الله ذلك ورفعه عنه بالكرامة التي أبداها له، فانقلب ذلك الكدر صفاء والنكد سرورا ولله الحمد والمنة. الحديث: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْكُرَاعُ هَلَكَتْ الشَّاءُ فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا فَمَدَّ يَدَيْهِ وَدَعَا قَالَ أَنَسٌ وَإِنَّ السَّمَاءَ لَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا ثُمَّ اجْتَمَعَ ثُمَّ أَرْسَلَتْ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ الشرح: حديث أنس في الاستسقاء والمراد منه وقوع إجابة الدعاء في الحال، وقد تقدم شرحه في الاستسقاء، وأورده هنا من طريقين لحماد بن زيد، فقوله: " وعن يونس " هو ابن عبيد وهو معطوف على قوله: " عن عبد العزيز بن صهيب"، وحاصله أن حمادا سمعه عن أنس عاليا ونازلا، وذلك لأنه سمع من ثابت وحدث عنه هنا بواسطة، وذكر البزار أن حمادا تفرد بطريق يونس بن عبيد هذه قوله: (وغيره يقول فعرفنا) وهو من للعرافة، وكذا اختلفت الرواة عند مسلم هل قال فرقنا أو عرفنا. وفي رواية الإسماعيلي " فعرفنا " من العرافة وجها واحدا، وسمي العريف عريفا لأنه يعرف الإمام أحوال العسكر. وزعم الكرماني أن فيه حذفا تقديره فرجعنا إلى المدينة فعرفنا، قلت: ولا يتعين ذلك لجواز أن يكون تعريفهم وإرسالهم قبل الرجوع إلى المدينة. قوله: (هلكت الكراع) بضم أوله وحكي عن رواية الأصيلي كسرها وخطئ، والمراد به الخيل، وقد يطلق على غيرها من الحيوان، لكن المراد به هنا الحقيقة لأنه عطف عليه بعد ذلك غيره. قوله: (كمثل الزجاجة) أي من شدة الصفاء ليس فيها شيء من السحاب. قوله: (فهاجت ريح أنشأت سحابا) قال بعض شراح البخاري: هذا فيه نظر، لأنه إنما يقال نشأ السحاب إذا ارتفع وأنشأ الله السحاب لقوله: قلت: المراد في حديث الباب الثاني، ونسبة الإنشاء إلى الريح مجازية وذلك بإذن الله، والأصل أن الكل بإنشاء الله وهو كقوله: قوله: (عزاليها) بالزاي الخفيفة واللام المفتوحة بعدها تحتانية ساكنة تثنية عزلي، وقد تقدم ضبطها وتفسيرها قريبا. قوله: (فقام إليه ذلك الرجل أو غيره) تقدم في الاستسقاء ما يقرب أنه خارجة بن حصن الفزاري، وما يوضح أن الذي قام أولا هو الذي قام ثانيا، وأن أنسا جزم به تارة وشك فيه أخرى. قوله: (تصدع) في رواية الكشميهني تتصدع وهو الأصل. قوله: (إكليل) بكسر الهمزة وسكون الكاف هي العصابة التي تحيط بالرأس، وأكثر ما تستعمل فيما إذا كانت العصابة مكللة بالجوهر وهي من سمات ملوك الفرس، وقد قيل: إن أصله ما أحاط بالظفر من اللحم ثم أطلق على كل ما أحاط بشيء. والله أعلم. الحديث: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلَاءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ قَالَ سَمِعْتُ نَافِعًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ فَحَنَّ الْجِذْعُ فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشرح: حديث ابن عمر فقوله في الطريق الأولى " حدثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء أخو عمرو بن العلاء " تسمية أبي حفص لم أرها إلا في رواية البخاري، والظاهر أنه هو الذي سماه، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق بندار عن يحيى بن كثير فقال: " حدثنا أبو حفص بن العلاء " فذكر الحديث ولم يسمه، وقد تردد الحاكم أبو أحمد في ذلك فذكر في ترجمة أبي حفص في الكنى هذا الحديث فساقه من طريق عبد الله بن رجاء الغداني " حدثنا أبو حفص بن العلاء " فذكر حديث الباب ولم يقل اسمه عمر، ثم ساقه من طريق عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء به، ثم أخرج من طريق معتمر بن سليمان " عن معاذ بن العلاء أبي غسان قال: " وكذا ذكر البخاري في التاريخ أن معاذ بن العلاء يكنى أبا غسان، قال الحاكم: فالله أعلم أنهما أخوان أحدهما يسمى عمر والآخر يسمى معاذا وحدثا معا عن نافع بحديث الجذع أو أحد الطريقين غير محفوظ، لأن المشهور من أولاد العلاء أبو عمرو صاحب القراءات وأبو سفيان ومعاذ، فأما أبو حفص عمر فلا أعرفه إلا في الحديث المذكور، والله أعلم. قلت: وليس لمعاذ ولا لعمر في البخاري ذكر إلا في هذا الموضع، وأما أبو عمرو بن العلاء فهو أشهر الإخوة وأجلهم، وهو إمام القراءات بالبصرة، وشيخ العربية بها، وليس له أيضا في البخاري رواية ولا ذكر إلا في هذا الموضع، واختلف في اسمه اختلافا كثيرا والأظهر أن اسمه كنيته وأما أخوه أبو سفيان بن العلاء فأخرج حديثه الترمذي. قوله: (فأتاه فمسح يده عليه) في رواية الإسماعيلي من طريق يحيى بن السكن عن معاذ " فأتاه فاحتضنه فسكن فقال: لو لم أفعل لما سكن " ونحوه في حديث ابن عباس عند الدارمي بلفظ " لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة " ولأبي عوانة وابن خزيمة وأبي نعيم في حديث أنس " والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أمر به فدفن " وأصله في الترمذي دون الزيادة، ووقع في حديث الحسن عن أنس: كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث يقول: يا معشر المسلمين الخشبة تحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه. وفي حديث أبي سعيد عند الدارمي " فأمر به أن يحفر له ويدفن " وفي حديث سهل بن سعد عند أبي نعيم " فقال: ألا تعجبون من حنين هذه الخشبة؟ فأقبل الناس عليها فسمعوا من حنينها حتى كثر بكاؤهم " قوله: (وقال عبد الحميد أخبرنا عثمان بن عمر) عبد الحميد هذا لم أر من ترجم له في رجال البخاري، إلا أن المزي ومن تبعه جزموا بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور وقالوا كان اسمه عبد الحميد وإنما قيل له عبد بغير إضافة تخفيفا، وقد راجعت الموجود من مسنده وتفسيره فلم أر هذا الحديث فيه، نعم وجدته من حديث رفيقه عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي أخرجه في مسنده المشهور عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد. قوله: (أخبرنا معاذ بن العلاء) في رواية الإسماعيلي من طريق أبي عبيدة الحداد " عن معاذ بن العلاء " وهو أخو أبي عمرو بن العلاء القارئ. قوله: (عن نافع) في رواية الإسماعيلي وابن حبان " سمعت نافعا". قوله: (ورواه أبو عاصم) هو النبيل من كبار شيوخ البخاري. قوله: (عن ابن أبي رواد) يعني عبد العزيز ورواد بفتح الراء المهملة وتشديد الواو اسمه ميمون، وطريق أبي عاصم هذه وصلها البيهقي من طريق سعيد بن عمر عن أبي عاصم مطولا، وأخرجه أبو داود عن الحسن بن علي عن أبي عاصم مختصرا. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ إِنْ شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَهَا الشرح: حديث جابر فقوله في الطريق الأولى: " كان يقوم إلى شجرة أو نخلة " هو شك من الراوي، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق وكيع عن عبد الواحد " فقام إلى نخلة " ولم يشك. وقوله: " فقالت امرأة من الأنصار أو رجل " شك من الراوي والمعتمد الأول، وقد تقدم بيانه في كتاب الجمعة والخلاف في اسمها والكلام على المتن مستوفى. قوله: (دفع) بضم أوله بالدال وللكشميهني بالراء. قوله: (فضمه إليه) أي الجذع، في رواية الكشميهني " فضمها " أي الخشبة.
|